سلتيك جلاسكو.. تاريخ المدرج المُقاوم من الجوع العظيم لدعم فلسطين

0

«ولد سلتيك من رحم المجاعة والقمع، نتيجة الحكم الاستعماري والتهجير الجماعي. يقف سلتيك دائما إلى جانب المظلومين والمحرومين. سيظل سلتيك ثابتا في دعمه للشعب الفلسطيني. لقد دعمنا العديد من المشاريع الفلسطينية طوال تاريخنا، وقمنا على مدار أكثر من عقد بتطوير علاقة وثيقة مع مخيمات اللاجئين، بلغت ذروتها في تشكيل أكاديمية سلتيك في بيت لحم بالضفة الغربية.. فلسطين حرة والمجد للمقاومة».

– بيان أولتراس «Green Birgade» أو اللواء الأخضر المشجع لفريق سلتيك جلاسكو الاسكتلندي ردا على تبرؤ النادي من تصرفات جماهيره في دعم القضية الفلسطينية.

- الإعلانات -

تاريخ طويل ودعم غير مشروط سطره أولاد العاصمة جلاسكو الشجعان لكل المظلومين والمستضعفين في شتى بقاع الأرض، مناصرين لحركات التحرر الوطني والكفاح المسلح ضد الغزاة والمعتدين، ومناصبين العداء لكل ماهو محتل ومستعمر، بسبب سجل أجدادهم الحافل في مقاومة حكم التاج البريطاني في أيرلندا.

- الإعلانات -

وكما جرت العادة، واصل مجشعو فريق العاصمة الإسكتلندية الأخضر تقديم دعمهم التاريخي وتضامنهم اللا محدود للقضية الفلسطينية، بعد الاعتدائات الأخيرة التي تمارسها قوات الاحتلال على المدنيين في قطاع غزة وقتل لألاف الأطفال والنساء والشيوخ.

وعلى الرغم من تحذيرات «اليويفا» بحظر رفع أعلام فلسطين في مدرجات مسابقاتها، إلا أن «الأولاد الشجعان» كما يلقبوا في اسكتلندا، ضربوا بها عرض الحائط وقاموا برفع «تيفو» بالأعلام الفلسطينية، جنبًا إلى جنب مع علم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، التي أسسها المناضل المقدسي جورج حبش والتي تبنت عمليات الكفاح المسلح ضد قوات الاحتلال بعد حرب عام 1967، وذلك خلال مباراة الفريق بالأمس أمام أتليتيكو مدريد بدوري أبطال أوروبا.

واقعة مباراة الأمس لم تكن الأولى من نوعها، فالتاريخ يشهد على دعم متواصل من قبل الجانب الأخضر من العاصمة جلاسكو للقضية الفلسطينية.

ولكن يبقى السؤال الأهم هو لماذا تساند تلك الجماهير القضية الفلسطينية؟

الجوع العظيم

بين عامي 1845 : 1852 وقعت المجاعه الكبري أو الجوع العظيم كما وصف في الادبيات الايرلندية، عندما انتشر فطر نباتي اصاب اكثر من نصف محصول البطاطس بالعفن في التربة في جميع انحاء ايرلندا، وحوالي ثلاثة ارباع المحصول في السنوات السبع التالية

ايرلندا الكاثوليكية والـتي كانت تعاني تحت حُكم التاج البريطانى البروتستانتي في ذلك الوقت ، كانت بالنسبة لانجلترا بمثابة حقلا كبيرا لزراعة المحاصيل ورعي المواشي، كذلك الايرلنديون كانت تتم معاملتهم كمزارعين مستأجرين في اراضيهم، وكانت تمثل البطاطس مصدر للغذاء والوجبة الاساسية الاولي للشعب الايرلندي في ذلك الوقت ، لذلك كان ذلك المرض النباتي تأثير كارثي علي ايرلندا وسكانها

على مدار 3 سنوات اختفي محصول البطاطس نهائيا وبلغت المجاعه ذروتها سنة 1847 او عام 47 الاسود كما يلقبوه ، وطلب الايرلنديون الغوث من الانجليز ولكنهم لم يحركوا ساكنا، بل واتهموا المزرارعين الايرلنديين باهمال الارض وخلق الظروف التي ادت لظهور الفطر، ومع كل هذا استمرت جمع وجباية الضرائب والايجارات لصالح انجلترا، كذلك استمرت عمليات تصدر الاغذية واللحوم والجبن والاسماك، وتزايدت حركة ابحار السفن المحملة بالاغذية واللحوم من ايرلندا الي موانئ بريطانيا العظمي

وقتها ادرك الايرلنديون بأنهم وحدهم في ذلك وان بريطانيا لن تحرك ساكنا لمساعدتهم ، واقتنعوا بأن التمرد هو السبيل الوحيد للنجاة، والقوا باللوم علي انجلترا واتهموها بأنها من تعمدت نشر تلك الافه لتدمير المحصول الرسمي للشعب الايرلندي لتقليل عددهم وبالتالي سهولة السيطرة عليهم ، وهاجم السياسي الايرلندي جون ميتشل الانجليز بتصريحه الشهير قائلا:

«عندما يجلس الاطفال للأكل لا يرون في صحون عشائهم الزهيد سوي انعكاس مخالب انجلترا».

وتركت ايرلندا تعاني وحدها في صمت إلي ان انتهي الجوع العظيم عام 1852، راح ضحية تلك المأساه الانسانية اكثر من مليون شخص ، بالاضافهة لهجرة اكثر من مليوني شخص اخرين الي اسكتلندا وكندا والولايات المتحدة وانجلترا ،و انخفضت نسبة السكان في ايرلندا الي 25%.

بداية جديدة في جلاسكو

كانت اسكتلندا من بين الدول التي هاجر لها الايرلنديين سعيًا لبداية جديدة، حيث تركز اكثر من 80 الف مهاجر في الطرف الشرقي من العاصمة جلاسكو مكونين لجالية ايرلندية كاثوليكية المذهب، في وقت كانت يتبع اغلبية الشعب الأسكتلندي المذهب البروتستانتي، وكان ذلك سبب كافيا لاضطهاد الاسكتلنديين لهم.

عاشت الجاليه الأيرلندية حياة الفقر والضيق والبطالة، وسعي القائمين علي تلك الجالية الي ايجاد بعض الحلول العاجلة لتحسين معيشتهم، حتي يوم 6 نوفمبر 1887 حيث دعي الراهب الكاثوليكي الإيرلندي أندرو كيرانس او “الأخ والفريد” الي اجتماع باحدي قاعات كنيسة سانت ماري.

وهناك رأي نادي سلتيك النور حيث تم الاتفاق علي تأسيس فريق كرة قدم هدفه الاول جمع الاموال والتبرعات لمساعدة اسر وعائلات المهاجرين الايرلنديين في اسكتلندا والتخفيف عنهم حدة المُعاناه والفقر، كما تقرر اطلاق عليه اسم سلتيك جلاسكو كاشارة لناد اسكتلندي من جذور ايرلندية خالصة، وكان ذلك بعد دعم ومساعدة كالثوليك اسكتلندا لذلك المشروع بهدف توحيد جميع الكاثوليك.

لعب سلتيك مباراته الاولي في العام الذي يليه 1888 ولكنها كانت ذات طابع خاص حيث جمعتهم بالغريم الازرق والجار اللدود فريق البروتستانت “جلاسكو رينجرز” نادي النبلاء الاسكتلنديين كأول ديربي اسكتلندي يجمع بينهما في التاريخ والذي انتهي بفوز السيلتيكس بخمسة أهداف مقابل هدفين، لتكون تلك المباراة بداية التنافس بين قطبي مدينة جلاسكو الذي لايزل مشتعلا منذ اكثر من 130 عاما حتي يومنا هذا.

سرعان ما اكتسب الفريق شعبية بين ابناء الجالية الايرلندية الذين لقبوا النادي بالاولاد الشجعان، وتوحدوا تحت لوائه بعدما ساعدهم علي توطيد جذورهم في اسكتلندا وتحسين وضعهم المعيشي بدرجة كبيرة، حتي تمكنوا من بناء ملعب سيلتيك بارك الخاص بالفريق والذي افتتح عام 1892

اراد النادي تكوين فريق قوي يحتوي علي لاعبين محترفين للمنافسة علي دورى وكأس اسكتلندا، فقاموا بانشاء اكاديمية للنادي تركز علي اختيار لاعبين “كاثوليك” من المدارس والشوارع القربية ونجحوا في اختيار مواهب عديدة تمكنوا من تقديم الاضافة للفريق، حيث تمكنوا من الوصول الي نهائي الكأس عام 1889 الا انهم خسروا اللقب لصالح فريق ثيرد لانارك

وبمرور الوقت ابتعد سلتيك عن الاسس الدينية التي قام عليها علي الرغم من صدور قرار عام 1895 اقترح ان يضع الفريق حدا لعدد اللاعبين البروتستانت المسموح لهم بالانضمام للفريق ، الا انه تم رفض ذلك القرار وظل النادي مفتوحا لجميع اللاعبين من كافة الاديان والطوائف وعدم ممارسة اي شكل من اشكال الاقصاء الديني، مما جعل سلتيك احد انجح اندية كرة القدم في البلاد

صعود الأولاد الشجعان

لم ييأس الاولاد الشجعان من الفوز بأولي القابهم، حتي تمكنوا أخيرا من الفوز بالكاس عام 1892 كذلك تحقيق لقب الدوري لاول مرة في العام الذي يليه ، وتوالت الالقاب علي فريق الجانب الاخضر من العاصمة جلاسكو ورسخ نفسه كقوة ضاربة للكرة الاسكتلندية من خلال رفع ستة القاب متتالية في الدوري الاسكتلندي في العقد الاول من القرن العشرين

كذلك في اوروبا بعد ان هزم العديد من الاندية الانجليزية القوية مثل ارسنال ومانشيستر يونايتد ، الي ان نجح في الفوز بالكاس الاغلي كأس اوروبا (دوري ابطال اوروبا) عام 1967 ، كأول فريق بريطاني يرفع الكأس الاوروبية بعدما تمكن من التغلب علي انتر ميلانو الايطالي بنتيجة 2/1 وكان ذلك تحت قيادة السير جون شتاين، بالاضافة لكونه اول ناد اوربي يقوم بتحقيق الثلاثية

سيلتيك هو واحد من خمسة اندية فقط علي مستوي العالم تمكنوا بالتتويج بأكثر 100 بطولة حتي الان ، حيث تمكنوا من الفوز بالدوري الاسكتلندي في 52 مناسبة ، بالاضافة لتحقيق لقب كأس اسكتلندا 40 مرة ، كذلك كاس الرابطة الاسكتلندية 20 مرة ، بجانب تحقيق كأس اوروبا في مناسبة والحلول كوصيف للكأس عام 1970 ، بالاضافة الي خسارة نهائي كأس الاتحاد الاوروبي عام 2003

مواقف مشرفة

علي الصعيد الانساني لم ينس سلتيك انه ولد من رحم المعاناة، ولان التضامن مع المستضعفين والمضطهدين من السهل علي مشجعي سلتيك فهمه بسبب ما مر به اجدادهم، قدم المشجعين السلتيون كل الدعم لحركات التحرر الوطني والاستقلال في جميع انحاء العالم، كانت البداية بالقضية الفلسطينية ويرجع ذلك الي ان ايرلندا الكاثوليكية هي صورة طبق الاصل من فلسطين المحتلة، حيث تتمتع بسجل حافل في مقاومة الاستبداد وانها ذاقت ويلات الاحتلال الذي تتجرعه فلسطين الان.

 

من قمع مرير و قتل للاطفال والنساء وهدم للمنازل وتشريد اصحابها ، لذلك كان السبب الرئيسي لوقوف مشجعي سلتيك مع الفلسطنيين هو معرفتهم ما هو شعور ان يأتي الغزاة الاجانب الي شواطئهم ويسرقون اراضيهم ومنازلهم، ولذلك لم يتوانوا عن تقديم الدعم لهم بالعديد من الطرق مثل الهتافات والشعارات ورفع الكوفيات الفلسطينية بالاضافة لرفع الاعلام في الكثير من المباريات.

احداها في 2017 عندما استقبلوا فريق هبويل بير شيفع الاسرائيلي بالاعلام الفلسطنيية في اللقاء الذي جمعهما في التصفيات التمهيدية لدوري ابطال اوروبا، كذلك رفع لافتة كتب فيها ” القدس فلسطينية” وذلك بعد اعلان الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، بالاضافة لتوجيه رسائل دعم للمقاومة الفلسطينية في غزة والضفة الغربية عدم مرات.

بالاضافة الي رفع الاعلام ايضا في مباراة ريال مدريد في افتتاح مبارياتهم في دوري ابطال اوروبا الموسم الماضي، مما ترتب عليه تسليط العديد من العقوبات علي النادي من قبل الاتحاد الاوروبي لكرة القدم بزريعة خلط جماهيره السياسة بالرياضة بالاضافة الي اتهامهم بمعاداة السامية، ولا زال الدعم مستمرًا.

ناهيك عن كثير من المرات التي ساندوا فيها غزة برفع الأعلام الفلسطينية بعد الاعتداءات المتكررة التي يمارسها الاحتلال على المدنيين العُزل في القطاع منذ السابع من أكتوبر الجاري.


لم يقتصر الدعم علي فلسطين فقط بل امتد الي كل القضايا التي تشبه قضيتهم قلبا وقالبا، مثل الوقوف مع الشعب الجنوب افريقي ضد حملات التطهير العرقي والفصل العنصري في التي كانت تمارسها السلطات هناك ضد اصحاب البشرة السمراء.

ناهيك عن الدعم المطلق لاقليمي الباسك و كاتالونيا الانفصاليين في محاولاتهم المستمرة للانفصال عن اسبانيا ورفع اعلامهم خلال المباريات.

كذلك قاموا بالترحيب باللاجئيين السوريين عن طريق رفع لافتة مكتوب فيه:

«مرحبا بكم .. النادي أسسه المهاجرون»، كما استقبل النادي عدد منهم في زيارة لمقر النادي وساعدهم علي توفير المأوي لهم.

السلتيون وبريطانيا عداء لا ينتهي

وكما سبق وأوضحنا انه منذ تأسيس سلتيك ناصر مشجعيه العداء لبريطانيا بسبب حوادث الابادة الجماغية التي اتركبها الجيش الملكي بحق اجدادهم الايرلنديين مثل حادثة بلفاست او ادماغ التي قتل فيها الكثير من الاطفال والنساء والشيوخ، لذلك دائما ماكان يرفض المسئولين في نادي سيلتك وضع شعار الخشخاش علي اقمصة الفريق.

وهو تقليد شائع في بريطانيا لتخليد ارواح قتلي الجيش الملكي في الحربين العالمية الاولي والثانية، بل وقامت مجموعة أولتراس اللواء الاخضر المساندة للفريق برفع لافتة في احدي مباريات الدوري المحلي كتب فيها:

«أفعالكم ستخجل كل الشياطين في الجحيم .. أيرلندا العراق أفغانستان، لا خشخاش ملطخ بالدماء علي أطواقنا».

تلك اللافتة التي اثارت موجة غضب عارمة في بريطانيا وتم تسليط الكثير من العقوبات غليهم الا ان ذلك لم يردعهم عن اظهار بغضهم لبريطانيا عموما و العائلة الملكية بشكل خاص.

-الإعلانات-

اترك تعليقا

قد يعجبك أيضًا